تسارع الحكومة المصرية إلى تطبيق حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون الإيجارات القديمة، دون تقديم بدائل تشريعية واضحة، في خطوة تُمهّد لتحويل آلاف الوحدات السكنية وسط القاهرة إلى مشروعات استثمارية، ضمن خطة اقتصادية تستهدف جني مليارات الدولارات من القطاع العقاري والسياحي.
وبحسب مصادر برلمانية، فإن الحكومة تتعمّد تعطيل مناقشة أو طرح مشروع قانون بديل لقانون الإيجارات رقم 136 لسنة 1981، ما يعني أن العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر ستُفسخ تلقائيًا بحلول 9 يونيو/حزيران المقبل، دون الحاجة لأي نص قانوني جديد، لتصبح المحاكم هي الفيصل في النزاعات العقارية القادمة.
1.4 مليون وحدة مهددة.. والمحاكم هي الحل
ما يقرب من 1.4 مليون وحدة سكنية وتجارية تقع تحت مظلة “الإيجار القديم” ستكون مهددة بالإخلاء، مع اعتماد الحكومة على تفويض المحكمة الدستورية للملاك برفع قضايا طرد، بدلاً من تحمل كلفة سياسية أو اجتماعية بطرح قانون صريح.
وأكدت مصادر مطلعة أن الحكومة تعوّل على هذه الفوضى القانونية لتسريع إخلاء الوحدات، خاصة تلك التابعة للصندوق السيادي ووزارات الأوقاف والإسكان والتنمية المحلية، في مناطق مثل وسط البلد، والتي تضم أكثر من 2600 وحدة مؤجرة بقيمة زهيدة، تمهيدًا لتحويلها إلى فنادق ومراكز تجارية.
خطة مدبولي: تحويل وسط البلد إلى مشروع استثماري بـ2.4 مليار دولار
يُخطط رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لإطلاق مشروع استثماري ضخم في قلب القاهرة، يستهدف تحويل المباني الحكومية المخلاة إلى شقق فندقية ومطاعم ومراكز للأعمال، بقيمة إجمالية تصل إلى 2.4 مليار دولار، على أن تبدأ أولى خطوات التنفيذ في يونيو المقبل.
كما منح مدبولي، بالفعل، شركة سعودية خاصة حق الانتفاع بجراج التحرير لخدمة هذه المشروعات، بدلاً من الشركة الحكومية التابعة لوزارة الداخلية، في مؤشر على حجم التغيير المستهدف في المنطقة.
بدائل محدودة.. وسكن مدعوم مقابل التنازل
تحاول الحكومة تخفيف حدة الانتقادات بتقديم بدائل محدودة، منها السماح لبعض المستأجرين بالتقدم للحصول على وحدات من الإسكان الاجتماعي في حال التنازل الطوعي عن الوحدة القديمة، مع تقسيط الثمن على مدى 20 عامًا، ولكن بشروط صارمة، منها التأكد من أن المستأجر لا يملك وحدة أخرى.
كما يجري حصر المستأجرين عبر عدادات الكهرباء، وفي حال ثبوت امتلاك الشخص أكثر من وحدة، سيتم رفع دعوى قضائية مباشرة للطرد، دون أي التزام من الدولة بتوفير بديل.
البرلمان يلوّح بقانون بديل.. ولكن بشروط جديدة
رغم الصمت الحكومي، أكد رئيس لجنة الإسكان عزمه طرح مشروع قانون بديل خلال أسابيع، يتضمن فترة انتقالية لرفع القيمة الإيجارية تدريجيًا، على أن تُنهي العلاقة الإيجارية تمامًا خلال ثلاث سنوات ما لم يُبرم عقد جديد وفقًا لسوق الإيجارات الحرة.
كما تم تقديم أكثر من 14 مشروع قانون من نواب وأحزاب مختلفة، تتفاوت بين التشدد في الطرد الفوري، أو منح مهلة انتقالية مشروطة.
تيار الجبهة الوطنية يدخل على الخط
في موازاة تحركات البرلمان، يقود رئيس مجلس النواب السابق، علي عبد العال، مبادرة سياسية تحت مظلة “تيار الجبهة الوطنية” لإعداد مشروع قانون توافقي بين الملاك والمستأجرين، بهدف إخراج الحكومة من المأزق الاجتماعي والقانوني، وتخفيف الاحتقان المتوقع جراء الإخلاء القسري.
وتقترح المبادرة تشكيل لجنة عليا مستقلة لفض النزاعات وتقدير تعويضات عادلة، تشمل قضاة وخبراء تقييم، على أن يُتاح للمستأجر شراء الوحدة إذا رغب، وفق تقييم عادل.
الملاك يلوّحون بالتصعيد
من جهته، طالب رئيس رابطة الملاك مصطفى عبد الرحمن، الحكومة بالالتزام بتعهداتها، مؤكدًا أن الرابطة ستبدأ تحريك دعاوى قضائية جماعية استنادًا إلى حكم المحكمة الدستورية، خاصة بعد رصد 450 ألف وحدة يملك مستأجروها مساكن بديلة وفاخرة، ما يفتح الباب لطردهم قانونيًا.
حل أزمة الإيجارات أم تفجيرها؟
ما يبدو “حلًا اقتصاديًا” من وجهة نظر الحكومة، قد يتحوّل إلى قنبلة اجتماعية موقوتة، إذ إن إنهاء العلاقة الإيجارية دون تشريع واضح سيُدخل مئات آلاف الأسر في نزاعات قضائية مكلفة، وقد يُفاقم من أزمة السكن في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.
تغليب منطق الاستثمار على حساب العدالة الاجتماعية، دون خطة إنسانية عادلة، سيُعيد طرح السؤال الأصعب: هل يمكن إصلاح الاقتصاد المصري بالضغط على الفئات الأكثر هشاشة؟