في ظل تصاعد الضغوط المالية، خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” النظرة المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني من “إيجابي” إلى “مستقر”، مع الإبقاء على التصنيف نفسه عند “B-/B”، وهو ما يعني بقاء البلاد في منطقة التصنيف غير المرغوب فيه. وجاءت هذه المراجعة على خلفية استمرار ارتفاع مستويات الديون وتكاليف خدمتها، إلى جانب هشاشة الوضع الاقتصادي الخارجي.
من جانبها، أبقت وكالة “فيتش” على التصنيف الائتماني دون تغيير، لكنها حذرت من مؤشرات مقلقة أبرزها:
- ارتفاع غير مسبوق في نسبة فوائد الديون إلى الإيرادات
- تزايد احتياجات التمويل الخارجي
- تقلّب تدفقات رأس المال التجاري
🔻 ديون متراكمة وضغوط مالية مستمرة
وفق بيانات البنك المركزي، ارتفع الدين الخارجي لمصر بنسبة 1.5% في الربع الأول من العام المالي الجاري ليصل إلى 155.2 مليار دولار، في حين شكّلت الديون متوسطة وطويلة الأجل 82% من إجمالي الدين. ورغم انخفاض الدين الخارجي بشكل طفيف على أساس سنوي، إلا أن حجمه لا يزال يمثل عبئًا ثقيلًا على الاقتصاد الوطني، خاصة مع تضاعف حجمه أربع مرات خلال العقد الأخير.
🔻 خدمة الدين تلتهم الإيرادات
تتوقع ستاندرد آند بورز أن تستهلك فوائد الديون الحكومية نحو 58% من إجمالي الإيرادات في موازنة العام المالي 2024/2025، وهي نسبة مرشحة للتراجع تدريجيًا إلى 45% بحلول عام 2028/2027، لكنها لا تزال تمثل خطرًا كبيرًا على قدرة الدولة على تمويل الإنفاق الاجتماعي والاستثماري.
أما وكالة “فيتش” فترجّح أن ترتفع النسبة إلى 61% بحلول 2026، قبل أن تبدأ بالانخفاض في 2029.
🔻 إصلاحات مؤجلة مقابل أزمات متصاعدة
وعلى الرغم من التدفقات الإيجابية التي تلقتها مصر في العام الماضي، مثل اتفاقية تطوير “رأس الحكمة” بـ35 مليار دولار، وحزمة دعم أوروبية بقيمة 7.4 مليارات يورو، إضافة إلى اتفاق صندوق النقد الدولي البالغة قيمته 8 مليارات دولار، فإن هذه الموارد لم تُترجم إلى تحسّن فعلي في المؤشرات الأساسية للاقتصاد، خاصة في ظل استمرار الاعتماد على الاقتراض وغياب الإصلاحات الهيكلية الحقيقية.
🔻 تضخم مرتفع وجنيه متراجع
بلغ معدل التضخم السنوي في مارس 2025 نحو 13.6%، مرتفعًا من 12.8% في فبراير، مخالفًا للتوقعات الرسمية التي كانت تراهن على تراجعه لتسهيل خفض أسعار الفائدة. في الوقت ذاته، فقد الجنيه المصري نحو 2.4% من قيمته خلال أسبوع واحد، في ظل عودة المضاربات وصعوبة توفير الدولار للمستوردين، ما ينذر بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار.
ويتوقع محللون أن يؤدي قرار الحكومة الأخير برفع أسعار الوقود إلى مزيد من الضغوط على العملة المحلية، وتعميق أزمة الثقة بالسياسات الاقتصادية، خصوصًا مع استمرار الحرب التجارية العالمية وتداعياتها التي تؤثر سلبًا على حركة التجارة وتدفق الاستثمارات.
تراجع التصنيف الائتماني لمصر ليس مجرد إجراء تقني، بل مؤشر على أزمة هيكلية عميقة في الاقتصاد المصري، تغذيها الديون المرتفعة، ضعف الإيرادات، وتآكل ثقة المستثمرين.
فهل تنجح الحكومة في كسر هذه الحلقة المفرغة قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر؟