كشفت نيران اندلعت في قلب القاهرة عن هشاشة خطيرة في البنية التحتية الرقمية لمصر، بعدما تسبب حريق ضخم في مبنى سنترال رمسيس، أحد أبرز مراكز الاتصالات، في اضطرابات واسعة طالت البورصة، والمصارف، وحركة الطيران، والاتصالات، ما أدى إلى توقف أو تعطيل عدد من الخدمات الحيوية في الدولة.
الحريق، الذي اندلع في طابق يضم غرف تشغيل مشغلي الاتصالات، سرعان ما امتد إلى طوابق أخرى رغم وجود أنظمة إطفاء ذاتية، مما أدى إلى توقف جزئي في خدمات الإنترنت والاتصالات الأرضية والمحمولة، وانعكس مباشرة على قطاعات اقتصادية رئيسة.
الاتصالات في قلب الأزمة.. وخطة طوارئ عاجلة
كان قطاع الاتصالات الأكثر تضررًا، حيث تأثرت خدمات الإنترنت الثابت والمحمول لدى المشغلين الثلاثة الكبار. وأكدت وزارة الاتصالات أنها فعّلت خطط بديلة لنقل الخدمات إلى مراكز احتياطية مثل سنترال الروضة، لضمان استمرارية الخدمة، مع تعهد بتعويض المستخدمين المتضررين.
الوزير عمرو طلعت قطع زيارته الخارجية للعودة ومتابعة عمليات الإصلاح، مؤكدًا أن القطاعات الحيوية مثل الإسعاف والنجدة والموانئ والمطارات لم تتوقف، رغم تعطل الخدمات مؤقتًا في بعض المحافظات.
توقف البورصة لأول مرة منذ 2011: تحذير للأسواق المالية
تسبب الحريق في تعليق جلسة التداول في البورصة المصرية لأول مرة منذ ثورة يناير 2011، بسبب فشل محاولات إصلاح الربط الإلكتروني مع شركات السمسرة. وأشارت مصادر داخل البورصة إلى أن الخلل طال شبكة النطاق العريض المرتبطة بمعاملات مالية حساسة، منها أجهزة الصراف الآلي، ونقاط البيع، وخدمة “إنستاباي” التي تخدم أكثر من 34 مليون حساب مصرفي.
مصادر رسمية لم تستبعد استمرار توقف التداول حتى الأربعاء في حال لم تُستكمل أعمال الصيانة، ما يعكس حجم التحدي التقني وتأثيره على ثقة المستثمرين واستقرار السوق.
مطار القاهرة يتأثر: 7 ساعات من التوقف وتعطيل 33 رحلة
لم يسلم قطاع الطيران من الأزمة؛ فقد شهد مطار القاهرة الدولي شللًا جزئيًا دام قرابة سبع ساعات، نتيجة تعطل أنظمة تشغيل الرحلات في مباني الركاب الثلاثة. وتمكنت 36 رحلة فقط من الإقلاع في موعدها، فيما تأخرت 33 رحلة حتى منتصف الليل. وأعلنت وزارة الطيران أن جميع الرحلات أقلعت لاحقًا، وتمت استعادة أنظمة التشغيل تدريجيًا.
المصارف تحت الضغط.. و”المركزي” يتدخل
تأثرت خدمات البنوك الرقمية، لا سيما في البنك الأهلي وبنك مصر، ما دفع البنك المركزي إلى رفع الحد الأقصى للسحب النقدي اليومي من الفروع إلى 500 ألف جنيه، بهدف تخفيف الضغط عن القنوات الرقمية.
كما قرر المركزي تمديد ساعات عمل بعض الفروع حتى الخامسة مساء، وتفعيل أنظمة احتياطية لضمان استمرار تشغيل ماكينات الصراف الآلي ونقاط البيع، وسط محاولات لاحتواء حالة القلق في القطاع المالي.
الحريق يفضح هشاشة البنية الرقمية في مصر
رغم التقدم المُعلن في ملف التحول الرقمي، إلا أن أزمة سنترال رمسيس كشفت ثغرات هيكلية في بنية الاتصالات والربط الرقمي. فحادث واحد في مركز رئيسي أدى إلى تعطيل قطاعات مترابطة اقتصاديًا وخدميًا، مما يسلط الضوء على غياب منظومات بديلة فاعلة كافية لامتصاص الصدمات.
ويرى خبراء أن استعادة الثقة في كفاءة البنية الرقمية قد تستغرق وقتًا، ما لم تُعزز بأنظمة طوارئ مرنة واستثمارات استراتيجية في مراكز احتياطية وتقنيات حماية البيانات.
مخاوف من تراجع الاستثمار واهتزاز ثقة الأسواق
بحسب تحليلات نُشرت في “بلومبيرغ” و”فايننشال تايمز”، فإن مثل هذه الحوادث التقنية الكبرى تُضعف ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، خاصة في ظل التنافس الإقليمي على جذب الاستثمارات الرقمية.
ويخشى مراقبون أن تتسبب الأزمة في تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال، ما لم تتحرك الحكومة بسرعة لإعادة تقييم شبكة الاتصالات الوطنية وبناء بنية تحتية رقمية أكثر صلابة وتوزيعًا للمخاطر.
حريق تقني… وإنذار اقتصادي
حريق سنترال رمسيس ليس مجرد حادث عرضي، بل إنذار مبكر يكشف ضعفًا عميقًا في مرونة النظام الرقمي المصري، ويضع الجهات المعنية أمام اختبار حقيقي:
هل سيتم الاكتفاء بالمعالجات السريعة؟ أم ستُبنى استراتيجيات طويلة الأجل لتحصين مصر رقميًا واقتصاديًا من أزمات المستقبل؟