كشفت تقارير عن دخول الأسواق المصرية دوامة التضخم في السنوات الثماني الأخيرة، ومن يعتقد أن موجة التضخم وغلاء الأسعار الحالية في تلك الأسواق ستختفي قريبا، أو حتى تتوارى خلال سنوات قليلة فهو واهم ولا يقرأ الأحداث والواقع والأرقام جيداً، فما دام هناك اتفاق وعلاقة وقروض مع صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين فإن عجلة التفقير والغلاء مستمرة في فرم المصريين والقذف بالملايين منهم في أتون الفقر المدقع، ودهس ما تبقى من الطبقة الوسطى التي تلاشت مع قفزات الأسعار وتهاوي العملة المحلية وتردي القدرة الشرائية للمواطن.
جدير بالذكر أنه نهاية العام 2016 الذي شهد توقيع اتفاق بين مصر وصندوق النقد يتم بموجبه منح الحكومة المصرية قرضاً بقيمة 12 مليار دولار، ومن وقتها والسوق المصرية تشهد قفزات في التضخم، وخفضاً في فاتورة الدعم المقدم للسلع الأساسية.
لعلنا نتذكر الأرقام التي تم إعلانها في يوليو 2017 حيث شهدت البلاد أعلى معدل على الإطلاق للتضخم تسجله عند 32.9%، بعد ثمانية أشهر من خفض قيمة العملة المحلية إلى النصف أمام الدولار في إطار اتفاق سابق مع صندوق النقد. وفي شهر مارس 2017 ارتفع معدل التضخم في المدن إلى أعلى مستوياته منذ العام 2012 مسجلا 32.7%.
كذلك واصلت الأسعار قفزاتها عقب كل تعويم للعملة المحلية، ففي أغسطس الماضي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 71.9%، وزادت كثيرا عن تلك النسب في أشهر لاحقة، مع قفزات الدولار وتهاوي الجنيه والقدرة الشرائية. كما ارتفع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن لمستوى قياسي في سبتمبر الماضي إلى 38% مقابل 37.4% في أغسطس متجاوزا توقعات المحللين.
تجدر الإشارة إلى أنه مع توقيع اتفاق جديد بين الحكومة المصرية وصندوق النقد في شهر مارس الماضي بقيمة ثمانية مليارات دولار تجددت مخاوف المصريين من حدوث موجة جديدة من التضخم الجامح وقفزات الأسعار، وهو ما حدث بالفعل خلال الأشهر الماضية حيث قفزت أسعار كل شيء، حتى رغيف الخبز، طعام المصريين الأول، قفز بنسبة 300% بداية الشهر الجاري.
وهناك موجة زيادات في الطريق مع خفض الحكومة قيمة الدعم بالدولار في موازنة العام الجديد 2024-2025 سواء المقدم للسلع التموينية أو مشتقات البترول أو فاتورة الخدمات العامة.
فيما تتجدد تلك المخاوف هذه الأيام، إذ مع كل مراجعة ربع سنوية للاتفاق المبرم فإن للصندوق إملاءات ومطالب وضغوطا تصب كلها في اتجاه تحويل حياة المصريين إلى جحيم عبر إشعال وقود الغلاء وزيادة كلفة المعيشة ودهس المواطن، وتوجيه الجزء الأكبر من ضرائب وأموال المصريين لسداد أعباء الدين العام سواء الداخلي أو الخارجي والذي بات يلتهم نحو نصف إيرادات الدولة.
وللأسف ترضخ الحكومة لكل تلك المطالب المفروضة عليها من الدائنين الدوليين، لأنها وضعت رقبتها تحت سكين الصندوق الذي تساهم سياساته في سحق الغالبية العظمى من الفقراء. كما انتصرت تلك السياسات للدائنين على حساب المواطن الذي لا يملك حتى فرصة التعبير عن رأيه، أو الاستفسار عن كيفية إنفاق الأموال التي يتم جمعها منه والتي تزيد عن 2.6 تريليون جنيه خلال العام المالي الجديد الذي سيبدأ في الأول من يوليو المقبل.