بقلم سعيد السني
أثار مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (64 سنة)، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان (60 سنة)، وآخرين، في حادث سقوط المروحية التي تُقلهم، الكثيرَ من التساؤلات حول ما إذا كان الحادث مُدبرًا.. أم أنه قضاء وقدر؟. وما إذا كان اغتيالًا.. أم أن سوء الأحوال الجوية هو السبب؟. وإذا كان الحادث “اغتيالًا”، فمن هي الجهة التي دبّرته، ولماذا؟. إن كان قضاءً وقدرًا، فماذا جرى بالضبط.. هل هو عطل فني مفاجئ أدى لسقوط الطائرة، وأودى بحياة ركابها؟.. أم إهمال في صيانة الطائرة؟.. أم أن الأحوال الجوية هي الجاني؟
الجثامين أمام الطب الشرعي
“حتى الآن”، فوَفقًا للمصادر الإيرانية الرسمية، فالحادث، يرجع إلى سوء الأحوال الجوية، ما أدّى إلى هبوط صعب للطائرة بمنطقة جبلية، شديدة الوعورة في محافظة أذربيجان الشرقية، وتحطم الطائرة، وتعقيد عمليات البحث، لساعات طويلة، حتى تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال الضحايا. وقد جرى الإعلان عن إحالة جثامين الرئيس، ووزير الخارجية، والمتوفين، إلى الطب الشرعي في مدينة تبريز عاصمة محافظة أذربيجان.
وهو إجراء مُهم، للوقوف على سبب الوفاة قطعيًا، ومن ثم يُسهم في تفسير لغز “الهبوط الصعب” للطائرة، وبالجملة أسباب الحادث، وملابساته، إن كان نتيجة قصف صاروخي أو انفجار داخلي أو ارتطام عنيف. رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري، قرّر فتح تحقيق في أسباب الحادث، وكلف فريقًا فنيًا وعسكريًا، لتحديد أسباب سقوط المروحية، وأبعاد الحادث.
اغتيالات سابقة
إسناد الحادث إلى “سوء حالة الطقس”، له ما يبرره، فليس من الصواب، التسرع، واستباق التحقيقات، والقفز إلى نتائج قد تثير مشكلات مع دول أخرى. لكن إن كان الأمر، متعلّقًا بالأحوال الجوية، فلماذا لم يتم إلغاء الرحلة، وتأجيل تدشين السد المشترك بين إيران ودولة أذربيجان.. رغم مخاطر الطقس السيئ على حركة الطّيران؟.. أم يكون ذلك إهمالًا، وسوء تقدير للعواقب؟
لا يمكن استبعاد مؤامرة على حياة الرئيس (إبراهيم رئيسي)، ووزير الخارجية عبد اللهيان، يدعم هذا الاحتمال، وقوع “عمليات استهداف” عديدة، داخل إيران، طالت خبراء نوويين إيرانيين.. أهمها، اغتيال العالم المُلقب بأبي البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده (2020)، وآخرين، في أوقات سابقة.. مثل هذه العمليات لا يمكن تنفيذها دون تعاون عناصر داخليّة.
فقد يكون الحادث مُدبرًا، ومُنفذًا بتعاون المخابرات الأميركية، والموساد الإسرائيلي، وبأيادي عناصر مُجنّدة في الداخل – ربما – قصفًا بصاروخ، أو زرع عبوة ناسفة داخل “الطائرة”؛ لتنفجر أثناء طيرانها، أو تعطيل شيء ما، يدفع بالطائرة إلى السقوط الحتمي، لاحقًا. المُفترض، خضوع الطائرة لعمليات صيانة دقيقة، وشاملة وإجراءات تأمين صارمة، تسبق إقلاعها حاملة الرئيس ومرافقيه.. هل تمّت هذه الإجراءات للتأمين والصيانة على خير وجه؟.. لا يمكن القطع بإجابة.
إعلان
السياسات العليا ومؤسّسات راسخة
احتمال “اغتيال الرئيس ووزير الخارجية عبد اللهيان”، أميركيًّا وإسرائيليًّا، ليس تحيّزًا لنظرية “المؤامرة”، فذلك غير مستبعد لأسباب كثيرة جدًا، يصعُب حصرها هنا. رغم أن السياسات العليا، والخارجية الإيرانية، يتم رسمها بواسطة مؤسّسات راسخة البنيان – وتحت إشراف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام علي خامنئي – فإنّ الثنائي: (الرئيس، وعبد اللهيان)، حقّقا إنجازات كثيرة، ضربت الخطط الأميركية للسيطرة، على المنطقة العربية، وتوظيف إمكاناتها لخدمة الكيان الصهيوني، والتحالف معه، ضد إيران.
هذه الخطط عملت عليها أميركا، لسنوات طويلة؛ ترويجًا لدولة الاحتلال باعتبارها صديقة “للعرب، والمسلمين”، وأن العدوّ الأكبر المشترك لهم، هو إيران (استثمارًا لبعد مذهبي، مُستهجن، لعبًا على وتر السنة، والشيعة)؛ بُغية إشعال حرب مع إيران يدفع العرب تكلفتها الكبرى نيابة عن الاحتلال.
ثنائي “الرئيس، والوزير”، دفع العلاقات الإيرانية مع روسيا، والصين إلى الأمام.. تعاونت إيران مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وأمدتها بالمسيّرات، وربما أسلحة أخرى.
الثنائي.. وإفشال المخطط الأميركي
نجح الثنائي، في تصفير العديد من المشكلات مع الأنظمة العربية في الإقليم، فقد جرى خفض التصعيد مع المملكة العربية السعودية، بوساطة صينية، وتعديل مسار العداء إلى تعاون، أسفر عن وقف الحرب على اليمن. هذه الخطوة مع المملكة، أحبطت، وأفشلت المخطط الأميركي؛ لتسعير العداء بين العرب وإيران، لصالح إسرائيل. كما شهدت الفترة الأخيرة جهودًا إيرانية لتطبيع العلاقات مع مصر.
إبراهيم رئيسي الذي تولّى الرئاسة في أغسطس/ آب عام 2021.. ينتمي إلى “الجناح الديني المحافظ” في قمة هرم السلطة بإيران، وهو جناح “يُبادل”، الولايات المتحدة الأميركية” العداء. لكنه- ومعه عبد اللهيان-، تعاطى بمرونة معها، أسفرت عن صفقة تبادل رهائن، بين أميركا، و”إيران” بوساطة قطرية (سبتمبر/ أيلول عام 2023)، واستعادة ستة مليارات من الدولارات المجمّدة لدى أميركا.
إعلان
عبد اللهيان وطوفان الأقصى
كما انتقلت إيران في ظل رئاسته إلى العتبة النووية.. إن لم تكن تجاوزتها، لتمتلك سلاحًا نوويًا. رئيسي، والنظام السياسي الإيراني، لهما موقف أكثر عداء وتشددًا، تجاه إسرائيل، كما أنهما يدعمان القضية الفلسطينية، ويحتضنان حركات “المقاومة المسلحة” في المنطقة. وشهدت رئاسته أول، وأعنف هجوم ضخم بالصواريخ، والمُسيرات على “إسرائيل”، في الشهر الماضي (أبريل/نيسان).. ردًا على قصف الأخيرة القنصلية الإيرانية في دمشق، ليتهاوى ما بقي من أكذوبة الردع الإسرائيلية، التي أسقطها “طوفان الأقصى”.
عبد اللهيان، دبلوماسي بارع، ونشط.. استحوذ بالتزامن مع “الطوفان”، على شعبية جارفة لدى الجماهير العربية والإسلامية على خلفية جولاته في المنطقة، وتصريحاته النارية ضد الكيان الصهيوني؛ رفضًا لعدوانه على غزة، واستنكارًا للتدخل الأميركي في المنطقة.
في ظل ما سبق من ملابسات وظروف، فليس مستبعدًا تورطُ أميركا وإسرائيل في اغتيال الرئيس والوزير.. إلا أن الوصول لحقيقة ما جرى لطائرة الرئيس الإيراني، قد يستغرق وقتًا طويلًا، فمثل هذه العمليات، مخابراتية مُعقدة، و”نظيفة”، بمعنى ألا تترك أثرًا أو دليلًا يشير إلى الفاعل. علينا الانتظار، فقد نعرف لاحقًا، إن كان سقوط الطائرة، ووفاة الرئيس ومرافقيه، حادثًا مُدبرًا، لاغتيالهم.. أم كان قضاءً وقدرًا.