تحدثت وسائل إعلام عن اتخاذ حكومة الانقلاب برئاسة عبد الفتاح السيسي، قرارا مثيرا للجدل، بوقف إحدى المشروعات القومية بتحلية مياه البحر، لتعويض نقص مياه النيل بفعل بناء سد النهضة الإثيوبي؛ ما اعتبره خبراء جزءا من “مخطط شيطاني” يدفع بالمصريين لقبول عرض “تسليع المياه”، الذي تلمح إليه إثيوبيا منذ سنوات.
جدير بالذكر أنه بعد 9 سنوات من توقيع السيسي، مع إثيوبيا والسودان “اتفاق مبادئ سد النهضة”، في مثل هذا الشهر من عام 2015، والذي اعترف فيه بحق أديس أبابا في بناء سد على النيل الأزرق، فإن الأمن المائي وصل إلى أكثر من 106 ملايين مصري إلى مرحلة شديدة الخطورة.
يأتي ذلك وسط تأزم المفاوضات بين أطراف أزمة مياه النيل، القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وتعنّت الأخيرة في توقيع ملزم حول ملء حوض السد وتشغيله وحصتي دولتي المصب، وقيام أديس أبابا للعام الرابع على التوالي بملء حوض السد رغما عنهما بالخصم من حصتهما، فقد قرّرت حكومة السيسي، التخلّي عن مشروع تحلية مياه البحر الذي اتخذته وروّجت له قبل سنوات، كحل بديل لشح مياه النيل.
ذلك وفق خطة لترشيد الإنفاق الحكومي بطلب من صندوق النقد الدولي، في موازنة العام (2024-2025) بحيث لا تتجاوز حد تريليون جنيه، جّمدت حكومة السيسي، مشروع “تحلية مياه البحر”، مُعلنة التخارج من تمويل مشروعات (محطات إنتاج مياه الشرب من محطات تحلية مياه البحر) بحسب تقرير وزارة التخطيط المصرية 11 مارس الجاري.
يشار إلى أن السيسي، كان قد أعلن عن إنشاء أكبر محطات لتحلية مياه البحر في العالم تحت إشراف الهيئة الهندسية للجيش، في نوفمبر 2017، كبديل لمياه النيل على خلفية الإعلان عن فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا.
تجدر الإشارة إلى أن المشروع العملاق اعتبره السيسي أمنا قوميا لمصر، وكان مقررا أن يستمر حتى 2037 وبتكلفة تصل 900 مليار جنيه (الدولار حينا نحو 16 جنيها)، وفقا لتصريحات رسمية، بل إنه كان مقررا أن يتم عقد مناقصة عالمية الشهر الجاري من أجل إنشاء 6 محطات جديدة.
اللافت هنا أنه في ذات اليوم الذي أعلنت فيه وزيرة التخطيط، هالة السعيد، عن قرار الحكومة بترشيد الإنفاق بملف تحلية مياه البحر، أعلنت وزارة الإسكان أن الوزير عاصم الجزار، يتابع موقف تنفيذ محطات التحلية ضمن الخطة الاستراتيجية لتحلية مياه البحر، حتى عام 2050.
ووفقا لما نقلته صفحة “الهيئة العامة للاستعلامات” (حكومية)، فإن الوزير، قال إنه “تم وضع خطة استراتيجية لتحلية مياه البحر حتى عام 2050، بطاقة 8.8 مليون م3 يوميا، عبر 6 خطط خمسية، تستهدف الأولى إنتاج 3.4 مليون م3 يوميا، ضعف طاقات محطات التحلية الموجودة بمصر”.
وهو ما يشير إلى تضارب التصريحات الحكومية بين ما أعلنته وزيرة التخطيط، وبين ما صرح به وزير الإسكان، في الخبر الذي تناقلته صحف ومواقع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بعنوان “وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ محطات التحلية ضمن خطة تحلية مياه البحر”.
علاوة عن ذلك فإن الخبر أشار إلى أن نائب وزير الإسكان، سيد إسماعيل، اجتمع مع “صندوق مصر السيادي”، وأعضاء “البنك الدولي”، من أجل تجهيز مستندات الطرح لتنفيذ محطات التحلية بالتعاون مع “مؤسسة التمويل الدولية”، و”البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية”، ما يشير إلى احتمالات الحصول على قروض جديدة لتنفيذ مشروعات التحلية.
وعبر سواحل مصر المطلة على البحر الأحمر وخليجي السويس والعقبة بجنوب سيناء توجد عدة محطات تحلية لمياه البحر، التي قرر السيسي، التوسع بها في مقابل أزمة مياه النيل، وإنشاء أكبر محطات تحلية من مياه البحر المتوسط على ساحل مصر الشمالي الغربي، والساحل الشمالي الشرقي بشمال سيناء أيضا.
ولأن الزراعة في مصر تستهلك 80 بالمئة من حصة البلاد من مياه النيل، و10 بالمئة لأغراض الشرب، والنسبة الباقية للأعراض التجارية والصناعية، فقد أعلنت حكومة السيسي عن استهدافها إنتاج مليار متر مكعب مياه محلاة حتى عام 2037، عبر إقامة أكبر محطات للتحلية بتكلفة 50 مليار جنيه.