هذا الموضوع بالذات أصابني بدهشة بالغة ، ووضعت عليه مليون علامة استفهام!!
هناك حوار شامل حول مستقبل بلادي تشارك فيه أحزاب الحكومة والغالبية العظمى من قوى المعارضة ، يسمى بالحوار الوطني وتناقش فيه الملفات بغرض التطلع إلى مستقبل أفضل لبلادنا.
ويدخل في دنيا العجائب أن الرأي العام غير مهتم بهذه الإجتماعات التي تجرى ولا يبالي بها رغم أهميتها.. ومن حقك أن تسألني: وما هو دليلك على أن الناس غير مهتمة بهذه اللقاءات ؟؟
والرد على الفور: حضرتك!!
وأسألك بصراحة هل هذا الموضوع يشغلك والمقربين منك؟؟ وهل عندما تجلس مع أصحابك تناقشون ما يجري في تلك اللقاءات وتبدون آراءكم فيها ؟؟
بل أنني أشك أن المقربين من المشاركين في الحوار من الأهل والأحباب لا يشغل هذا الموضوع بالهم وليس من أهتماماتهم!!
ولاحظت أن مواقع التواصل الإجتماعى التي لا تترك شاردة ولا واردة إلا علقت عليها.. تجد الحوار الوطني غائب عنها تماماً فلا تهتم به إلا إستثناء مثل كلام العضو الذي طالب في الحوار الوطني ببيع أندية الأهلي والزمالك لسداد ديون مصر!!
وأسألك عن السبب في تجاهل هذه اللقاءات رغم أهميتها الكبيرة لمستقبل الوطن ؟؟
وأنا عندي إجابة جاهزة خلاصتها أن الشعب يرى ما يجري مجرد كلام في كلام لن تؤدي إلى نتائج ملموسة تنعكس على حياتهم في المستقبل القريب.. يعني مجرد إجتماعات للنخبة!!
والعديد من المؤتمرات الإقتصادية وغيرها رأيناها سنوات وسنوات وكانت تضم كبار الإقتصاديين، ولكن ليس لها نتائج عملية على الأرض.. يعني كلام في كلام!!
وإذا جئنا إلى الحوار الوطني الحالي نرى أن هناك إيجابية وحيدة له حتى هذه اللحظة وهي الإفراج عن المزيد من سجناء الرأي ، لكنني لاحظت أن حواراته كلها تجري ضمن خطوط مرسومة لا تستطيع تجاوزها.. وإذا أخذنا الجانب السياسي منه على سبيل المثال ، ترى أن مشكلة مصر من زمان جداً في هذا المضمار يتمثل في طغيان السلطة التنفيذية على بقية السلطات، ورئيسها فوق أي محاسبة ، وجاءت تعديلات الدستور الحالي في عام ٢٠١٨ لتؤكد على هذا الإتجاه وأصبحت لرئيس الجمهورية الهيمنة على القضاء والجامعات حتى أن عمداء الكليات يتم تعيينهم بقرار من الرئيس!!
وبالطبع الحوار الوطني لم يستطع أقتحام هذا الملف، وأكتفى بكلام مكرر لا يسمن ولا يغني من جوع رغم أنه من الفوارق بين الدول المتقدمة وتلك المتخلفة والتي يطلق عليها من باب الأدب دول العالم النامي توازن السلطات فلا ينفرد أحد بحكم البلاد والعباد.
وهناك رقابة بالغة القسوة على الصحف والمطبوعات في بلادي ، وللأسف الشديد جداً جداً أن بلادي ترتيبها رقم ١٦٨ من بين ١٨٠ دولة طبقا للإحصاءات الدولية عن حرية الصحافة في العالم.
وكنت أتوقع من الحوار الوطني أن يقطع خطوة في هذا الإتجاه بإصدار توصية برفع جميع أنواع الرقابة على الصحف ليكون رئيس التحرير المسئول الأول عما ينشر في جريدته ويحاسب إذا حدثت تجاوزات، لكن كان ‘الطناش” سيد الموقف، وأكتفوا بالكلام الحلو عن أهمية تداول حرية المعلومات دون عوائق من غير أي إشارة إلى الرقابة التي جعلت صحافتنا في خبر كان!!
والملف الإقتصادي الذي يهم الناس جميعاً كنت أنتظر إصدار توصية واضحة بإعادة النظر في الأولويات ، ويؤكد الإقتصاديون أن الخلل الموجود أدى إلى كوارث إقتصادية تمثلت في الغلاء وأرتفاع الأسعار بالإضافة إلى ديون هائلة تبلغ المليارات حتى أضطرت الحكومة إلى بيع الكثير من الشركات الناجحة لتساعدها على سداد جزء من الديون.
وغاب عن الحوار الوطني إصدار توصية واضحة حول هذا الأمر.. ولأن الناس رأوا أن تلك الجلسات مجرد “مكلمة” لن تنعكس على حياتهم بتغيرات جذرية حول الطريقة التي تحكم بها بلادي فقد إنصرفوا عنها.. ومعهم حق!!
محمد عبدالقدوس