كشف مصادر خاصة لـ”الشعوب” تفاصيل جديدة بخصوص واقعة الانتحار الشهيرة التي أقدّم عليها، قبل أيام، مستشار رئيس نيابة عامة، أيمن سمير حسين إبراهيم عمر، وذلك بعد اكتشاف تورطه في قضية “فساد كبرى” تخص مكتب النائب العام المستشار حمادة الصاوي.
وقالت المصادر: “موضوع رئيس النيابة المنتحر في منتهى الخطورة، وتفاصيله مختلفة إلى حد بعيد عما تم تداوله إعلاميا؛ فهو مسؤول داخل مكتب النائب العام عن عمليات إعداد وطرح أعمال التوريدات والمقاولات لصالح النيابة العامة، وقام بإنشاء شركة سرا باسم زوجته ليقوم بعد ذلك بترسية أعمال التوريدات عليها بموجب مناقصة عامة تتقدم فيها الشركة بأقل الأسعار، وذلك طبعا لعلمه بالقيمة التقديرية، وبموقف المتنافسين، وبالتالي كانت الترسية -وفقا للظاهر- تتم بشكل قانوني”.
وتابعت المصادر: “المشكلة التي لم ينتبه لها أيمن سمير أنه لم تعد هناك جهة في الدولة تجرى مناقصات بين موردي ومقاولي القطاع الخاص، بل أصبحت الأعمال كلها يتم إسنادها بالأمر المباشر وفقا لأحكام المادة 38 من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات لإحدى الجهات المُمثلة في القوات المسلحة بفروعها المختلفة أو الإنتاج الحربى أو شركة وادي النيل التابعة للمخابرات العامة ثم بعد ذلك تُعطى الأعمال للمقاولين أو الموردين من الباطن”.
وتنص المادة 38 من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات على أنه “يجوز للجهات التي تسرى عليها أحكام هذا القانون التعاقد فيما بينها بطريق الاتفاق المباشر، كما يجوز أن تنوب عن بعضها في مباشرة إجراءات التعاقد في مهمة معينة وفقا للقواعد المعمول بها في الجهة الإدارية طالبة التعاقد. ويحظر التنازل لغير هذه الجهات عن العقود التي تتم فيما بينها”.
وأردفت المصادر الخاصة التي تحدثت لـ”الشعوب”،: “الإجراءات التي كان يقوم بها رئيس النيابة كانت مستفزة لبعض الجهات السيادية، وخاصة قيامه بطرح الأعمال في مناقصات وعدم إسنادها إليها بالأمر المباشر وكأنه في الظاهر يبتغى الصالح العام والمحافظة على المال العام”.
وتابعت المصادر: “تم التنسيق بين أحد الموردين وجهة سيادية للإيقاع برئيس النيابة أيمن سمير في إحدى العمليات التي تقاضى منها رشوة كبيرة، وكذلك تمت معرفة موقف شركة زوجته عن طريق المراقبة التليفونية”.
وأشارت المصادر إلى أن “الجرائم التي ارتكبها رئيس النيابة تمثلت في التربح، والرشوة، واستغلال النفوذ، والابتزاز، والتزوير، والكسب غير المشروع”.
ووفق المصادر ذاتها، “كشفت المكالمات الهاتفية اعتزام رئيس النيابة السفر خارج البلاد في توقيت متزامن مع ما تكشف من معلومات، بينما تم إبلاغ النائب العام الذي لم يتردد في الموافقة على اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المستشار أيمن سمير، وتم الحصول على إذن المجلس الأعلى للقضاء”.
وزادت المصادر: “لاحقا، تم إجبار أيمن سمير على تقديم استقالته وإقناعه بأن هذا الإجراء سينهي المسألة كلها، ولن تكون لها أي تداعيات بعد ذلك فاقتنع وقدّم استقالته بالفعل ظنا منه أن الأمر انتهى عند هذا الحد، وهمّ بعدها بالسفر خارج البلاد كإجراء احتياطي”.
لكن سمير -بحسب المصادر- “كان مُراقبا، وتم إلقاء القبض عليه في مطار القاهرة، والعودة به إلى مكتبه بمبنى النيابة لتفتيش المكتب، وتحريز أيّة مستندات، وعرضه على جهات التحقيق تنفيذا لإذن المجلس الأعلى للقضاء، وأمر الضبط والإحضار الصادر من النائب العام فأقدّم على الانتحار بالقفز من الطابق التاسع لمبنى النيابة عندما تكشفت أمامه كل تلك الأمور، وأدرك أنه سينال عقوبة مُشدّدة لا تقل عن عشر سنوات مع التحفظ على أموال زوجته وأولاده”.
وتلخص المصادر هذه القضية بقولها إن “المستشار أيمن سمير لجأ للمناقصات، وهذا إجراء في حد ذاته يثير الشبهات في الوقت الحالي، لأنه لا أحد الآن يفعل ذلك، بل الجميع يسندون أعمال المقاولات والتوريدات بالأمر المباشر للجهات السيادية”.
واختتمت بقولها: “هذه الواقعة هي رسالة واضحة للقضاء تماما على قانون المناقصات لصالح الجهات السيادية”، مضيقة: “لو أن أيمن سمير تواطئ منذ البداية مع الجهات السيادية، وأسند إليها الأعمال، كان سيحصل على منافع منها، وتمر الأمور بسلام، ولن يستطيع أحد الاقتراب منه، ولكنه كان طامعا فيما هو أكثر من الذي تجود به هذه الأجهزة والجهات السيادية من مكاسب ومنافع وشاوي وخلافه؛ فسقط في الفخ”.