انتقد حقوقيون قرار وزير داخلية الانقلاب المصري اللواء محمود توفيق، الخميس، بإنشاء 6 سجون جديدة بمدينة 15 مايو في محافظة القاهرة، تحت مسمى “مراكز إصلاح وتأهيل عمومية”.
وأنشأ النظام المصري عشرات السجون الجديدة بين عامي 2013 و2021، منها سبعة سجون على الأقل تحت إدارة قطاع مصلحة السجون، ما يرفع عدد السجون تحت إدارتها إلى 49، كما أنشئ أكثر من 30 سجناً جديداً تحت إدارة هيئات أخرى تابعة لوزارة الداخلية، ما يرفع عدد منشآت الاحتجاز الرسمية إلى 168 تقريباً في 2021، وذلك ما عدا مراكز الشرطة.
قال الحقوقي المصري ومدير مركز “الشهاب لحقوق الإنسان” خلف بيومي، إن “مصر لا تحتاج لبناء سجون جديدة بقدر ما هي بحاجة لمعالجة مشكلة أكبر توجه إليها موارد الدولة بصفة عامة، وهي الأزمة الاقتصادية”.
وأشار إلى أن “الدولة المصرية منذ عام 2013 حتى الآن، قامت ببناء عشرات السجون الجديدة، فالأمر أصبح غير طبيعي وغير مبرر”. وأشار بيومي إلى أنه كان هناك قبول في البداية لفكرة إنشاء سجون جديدة بديلة داخل المدن تعالج مشاكل السجون القديمة مثل سجني طنطا والحضرة، باعتبارها لم تكن مهيأة بصورة آدمية.
ولفت إلى أن أغلب السجون القديمة لم يكن بها دورات مياه، والزنازين ضيقة جداً، وبها أبنية آيلة للسقوط. لكن بيومي اعتبر أن توجيه هذه الميزانية أصبح “في هذا الوقت تحديداً غير مفهوم، خصوصاً أن الدولة من فترة قريبة أعلنت عن سجون بدر 1 و2 و3، ومن قبل ذلك سجون وادي النطرون، التي كانت بغرض معالجة مشاكل التكدس داخل الزنازين، والمشكلات الخاصة بسوء الأبنية القديمة”.
واعتبر أن “قرار بناء 6 سجون جديدة الآن، قد يعبّر عن نيّة الدولة توسيع دائرة ملاحقة المواطن المصري سواء كان جنائياً أو سياسياً”. ولفت إلى أن الميزانية التي ضُخت لبناء السجون تحتل مرتبة عالية في ميزانية الدولة، ولا تساوي ولا تضاهي الميزانية التي وُجهت لبناء المستشفيات أو المدارس، في الفترة نفسها، من أجل الحفاظ على الحق في الصحة وفي التعليم، باعتبارهما من الحقوق الأساسية التي تسعى أي دولة متقدمة حديثة للحفاظ عليها.
وقال الحقوقي المصري إن الدولة المصرية لا تزال “تفكر بنفس الطريقة، وهذه عقلية النظام الحالي في التعامل مع المشكلات، بالتوسع في بناء مراكز الاحتجاز والسجون الجديدة”. وأضاف أنه “حتى بعض أقسام الشرطة تحولت إلى سجون، وتحديداً قسم العاشر من رمضان وقسم شرطة كرموز بالإسكندرية”. وقال بيومي “لسنا ضد تحسين الأبنية الخاصة بمراكز الاحتجاز، لكن ضد أن يكون لها الأولوية على حساب المشاكل الاقتصادية الرئيسية التي تعاني منها الدولة المصرية”.
من جهتها قالت الباحثة الحقوقية سارة حمزة، إنه “منذ تولي السيسي الحكم في مصر، وهناك قرارات بإنشاء سجون جديدة حتى وصل عدد السجون إلى حوالي 88 سجناً، منها نحو 45 سجناً جديداً”.
واعتبرت أن “وجهة نظر الدولة أنها تقوم بصخب بخصوص التحسن في ملف حقوق الإنسان”، مضيفة أنه من الواضح “من رصدنا في الحملات الحقوقية أو متابعتنا كباحثين وتوثيقنا لبعض الشهادات، أن الوضع على النقيض تماماً”. وأوضحت أن “السجناء يواجهون الانتهاكات نفسها، إن لم تكن في زيادة، ويعانون من نفس مشكلات المرافق القديمة، وهذا يدل على غياب الإرادة السياسية من السلطة المصرية لوجود حل جذري لأزمة حقوق الإنسان في مصر”.
وقالت حمزة إن “الإشكالية ليست في إنشاء السجون الجديدة، ولكن في العقلية الأمنية ذاتها التي تدير السجون، على سبيل المثال، قيل لبعض الأهالي إن إدارة سجن بدر 3 هي نفس إدارة سجن العقرب بمنطقة طرة”. ولفتت إلى أنها لا تعتقد أن مصر بحاجة لسجون جديدة من حيث الكثافة، “والأصل في الأمر ألا يكون هناك سجناء بناءً على عملهم السلمي أو آرائهم السياسية لكي ننشئ لهم المزيد من السجون”.
بدوره اعتبر الحقوقي والمحامي المصري جمال عيد، أنه لا يبالغ حين يقول “إنه قد يكون إنشاء السجون الجديدة بسبب نيّة النظام زيادة أعداد السجناء، مع الأخذ في الاعتبار بعض المعطيات، مثل ما يحدث الآن في محافظة الشرقية”.
وأشار إلى أن “الكثير من المنظمات الحقوقية غير منتبهة لمعاناة محافظة الشرقية من محاكمات واسعة وأعداد كبيرة من المواطنين الذين يتعرضون للإخفاء القسري، ثم يظهرون في النيابة بعد فترة، وبعضهم لم يظهر حتى الآن”.
وأكد أن “الغرض من بناء السجون الجديدة، قد يكون لسببين، الأول هو زيادة أعداد السجناء والمعتقلين، وهذا الأمر يشير إلى أكذوبة الانفراجة السياسية، والثاني، رغبة الدولة في الاستيلاء أو استثمار أراضي سجون قديمة في منطقة مميزة ومن الممكن أن تُباع بسعر مرتفع”. وأوضح عيد “أن بناء سجون جديدة بدلاً عنها في أماكن نائية يزيد من معاناة المعتقلين وسجناء الرأي، ومعاناة أسرهم، وفي الحالتين لا آمل خيراً من هذه القرارات”.