مع اقتراب انتهاء الولاية الثانية للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في نهاية شهر سبتمبر المقبل، بدأت القاهرة تحركات نشطة لترشيح خليفة له، وسط مشاورات دبلوماسية واسعة النطاق مع عدد من الدول العربية ذات الثقل داخل الجامعة، لاستطلاع آرائها بشأن الأسماء المطروحة من الجانب المصري.
ورغم أن العرف جرى على أن يكون الأمين العام من دولة المقر – مصر، إلا أن هذا التقليد ليس مُلزِمًا قانونيًا وفقًا لميثاق الجامعة، ما يفتح الباب أمام احتمالات وتنافسات جديدة.
مدبولي مرشح غير تقليدي
كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وأخرى من داخل أمانة الجامعة أن هناك توجها مصريًا لدفع رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي لتولي المنصب، في سابقة تاريخية تُعد الأولى من نوعها، إذ لم يسبق أن تولى المنصب أحد رؤساء الحكومات المصرية، بل كان حكرًا على وزراء الخارجية السابقين.
وبحسب المصادر، يحظى مدبولي بدعم واسع من الرئيس عبد الفتاح السيسي ومؤسسات الدولة السيادية، ويرى فيه البعض مرشحًا توافقيًا يتمتع بصورة غير تصادمية على المستويين الداخلي والعربي، على عكس أسماء أخرى تم تداولها سابقًا، مثل وزير الخارجية السابق سامح شكري الذي قوبل بتحفّظ من بعض العواصم الخليجية، مما دفع القاهرة إلى التراجع عن ترشيحه.
كما طُرح اسم وزير الخارجية الحالي بدر عبد العاطي ضمن المرشحين المحتملين، لكن أحد الأجهزة السيادية في مصر طرح اسم مدبولي كخيار وسط، خصوصًا في ظل تصاعد التقديرات بقرب إجراء تعديل حكومي، يتضمن تعيين وزير النقل الحالي كامل الوزير خلفًا له في رئاسة الحكومة.
منافسة إقليمية على المنصب
في المقابل، تشير مصادر عربية مطلعة إلى وجود رغبة سعودية واضحة في التنافس على منصب الأمين العام خلال الدورة الجديدة التي تمتد لخمسة أعوام، أو على الأقل تعيين أمين عام مساعد سعودي بصلاحيات واسعة، إذا تم التوافق مجددًا على مرشح مصري للمنصب الأعلى.
وتأتي هذه التحركات في إطار توازنات دقيقة تشهدها أروقة الجامعة، حيث تُبدي بعض الدول العربية، مثل الجزائر، اهتمامًا بكسر العرف القائم، وطرح مرشحين من خارج مصر، ما يجعل مهمة القاهرة في تأمين التوافق أصعب من المعتاد.
خلفية قانونية وتاريخية
ينص ميثاق الجامعة العربية، وتحديدًا المادة 12، على أن يتم تعيين الأمين العام بقرار من مجلس الجامعة وبموافقة ثلثي الدول الأعضاء البالغ عددها 22 دولة، وتبلغ مدة ولايته خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
ورغم أن العرف جرى على منح المنصب لممثل عن دولة المقر (مصر)، فإن هذا التقليد توقّف مؤقتًا بين عامي 1979 و1990 بعد تعليق عضوية مصر عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، حيث تم نقل مقر الجامعة إلى تونس واختيار الشاذلي القليبي – وزير الثقافة التونسي حينها – كأمين عام، قبل أن تعود القاهرة كمقر دائم للجامعة مع استعادة عضويتها الكاملة.
يبدو أن مصطفى مدبولي يتصدر المشهد كأقوى مرشحي القاهرة لمنصب الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، بدعم مؤسسي وسياسي داخلي، لكنه سيواجه تحديات إقليمية غير تقليدية، في ظل طموحات سعودية وجزائرية قد تُغيّر موازين العرف التاريخي.
يبقى الحسم رهناً بالتوافق العربي، ومآلات التوازنات الدقيقة بين العواصم المؤثرة في القرار الإقليمي.