يعيش أكثر من 11.5 مليون متقاعد في مصر أوضاعًا معيشية صعبة في ظل تصاعد حاد في معدلات التضخم وتدهور القدرة الشرائية، وسط تدني واضح في قيمة المعاشات التي تتراوح في معظمها بين 1500 و3000 جنيه، وهي أرقام تقل بكثير عن الحد الأدنى للأجور البالغ 7000 جنيه شهريًا (نحو 140 دولارًا).
ووفق مصدر في لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، فإن حوالي 80% من أصحاب المعاشات يتقاضون أقل من 3000 جنيه شهريًا، ما يضعهم فعليًا تحت خط الفقر العالمي (2.15 دولار يوميًا، أي ما يعادل 3208 جنيهات شهريًا وفقًا لسعر صرف الدولار الذي تجاوز 49 جنيهًا).
ويُقدّر إجمالي ما يُصرف لأصحاب المعاشات شهريًا بنحو 38 مليار جنيه، بمتوسط 3300 جنيه لكل شخص. في حين يبلغ الحد الأدنى للمعاش المدني 1495 جنيهًا، ويرتفع الحد الأقصى إلى نحو 11,600 جنيه حسب الدرجة الوظيفية ومدد الاشتراك التأميني.
واقع لا يُحتمل
يعاني المتقاعدون من تآكل دخولهم بفعل تراجع الجنيه مقابل الدولار منذ مارس 2022، حين كان السعر 15.7 جنيهًا، ليصل اليوم إلى قرابة 50 جنيهًا. ويتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والخدمات مثل الكهرباء والغاز، ما فاقم الضغوط على فئة كبار السن.
تقول ابتهال سلامة، وهي متقاعدة تبلغ 62 عامًا، إن معاشها لا يتجاوز 2600 جنيه، بينما يتجاوز إيجار سكنها في حي شعبي بالجيزة 4250 جنيهًا. وتضيف أنها تعيش بمفردها وتعتمد في معيشتها على معاش زوجها المتوفى (4170 جنيهًا) وتحويل مالي شهري من ابنها في السعودية (حوالي 8000 جنيه).
بحسب ابتهال، فإن نفقات الغذاء والأدوية والفواتير تتجاوز 13 ألف جنيه شهريًا، مؤكدة أنها لا تستطيع العيش من دون هذا الدعم الخارجي.
أما جمال عبد الراضي، البالغ من العمر 69 عامًا، فيعمل حارسًا في مركز طبي بحي المطرية بالقاهرة إلى جانب معاشه الحكومي، ولا يتجاوز دخله الإجمالي 9000 جنيه شهريًا، وهو مبلغ لا يكفيه لإعالة أسرته الممتدة، ما يضطره للاستدانة باستمرار.
ويطالب عبد الراضي برفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 7000 جنيه شهريًا، على الأقل، لمواجهة الارتفاع الجنوني في الأسعار.
غلاء شامل وزيادة غير كافية
ارتفعت أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة بنسبة تتراوح بين 25% و40% خلال العام الأخير، وتجاوزت 50% في بعض أنواع المكملات الغذائية. كما شهدت أسعار الوقود أربع زيادات خلال 13 شهرًا، ما رفع نفقات المواصلات والخدمات اليومية.
رغم هذه التحديات، قررت الحكومة تطبيق زيادة بنسبة 15% على المعاشات اعتبارًا من يوليو 2025، وهي النسبة ذاتها المقررة للمعاشات العسكرية. إلا أن الفارق الجوهري يكمن في غياب حد أقصى أو أدنى لزيادة معاشات العسكريين، على عكس المدنيين، ما يُعيد طرح مسألة التمييز بين الفئتين.
تمييز تشريعي… وفجوة اجتماعية
في عام 2020، صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديل قانون المعاشات العسكرية، بما منح امتيازات مالية متصاعدة للعسكريين تشمل زيادة سنوية بنسبة 15% لمدة سبع سنوات، وإتاحة الجمع بين أكثر من معاش، وتسويات مالية إضافية لأسر الضباط.
هذا الواقع يُناقض نص المادة 53 من الدستور المصري، التي تنص على أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات ولا يجوز التمييز بينهم لأي سبب.
لكن الواقع يشير إلى اتساع الفجوة بين المتقاعدين المدنيين والعسكريين، في ظل تضاؤل الدعم الحكومي وارتفاع أعداد كبار السن، ما يهدد شرائح واسعة بالفقر في مرحلة الشيخوخة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول عدالة نظام الحماية الاجتماعية في البلاد، ومدى التزام الدولة بتأمين حياة كريمة لجميع المواطنين على قدم المساواة.
