أزمة غاز تلوح في الأفق: مصر بين مطرقة التأجيل الإسرائيلي وخيارات الطاقة المكلفة

في خضم أزمة طاقة خانقة تعصف بالداخل المصري، جاء الإعلان عن تأجيل تشغيل خط أنابيب “نيتسانا” الاستراتيجي لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر حتى عام 2028 ليضع القاهرة أمام خيارات صعبة ومكلفة، ويكشف مجددًا هشاشة أمن الطاقة المصري، في ظل اعتماد متزايد على واردات الغاز الإسرائيلي.

 نيتسانا المؤجَّل.. مشروع استراتيجي يتعثر عند العتبة الأخيرة

كان من المقرر أن يبدأ خط “نيتسانا”، الممتد لمسافة 65 كيلومترًا لربط شبكة الغاز الإسرائيلية بنظيرتها المصرية في شرق سيناء، التشغيل الفعلي في 2025 بسعة 600 مليون قدم مكعبة يوميًا.
إلا أن خلافات حادة بين شركاء حقلي “ليفياثان” و”تمار” وهيئة الغاز الإسرائيلية حول تقاسم الكميات والتكاليف، دفعت شركة “نيو ميد إنيرجي” للإعلان عن تأجيل المشروع إلى النصف الأول من 2028.

هذا التأجيل ليس تفصيلًا فنيًا، بل صفعة مباشرة لخطط القاهرة لتأمين بدائل أرخص من الغاز المسال المستورد، في ظل قفزات سعرية مرهقة وتراجع حاد في الإنتاج المحلي.

 إسرائيل ترفع الضغط وتلعب بورقة الأسعار

التأجيل تزامن مع ضغوط إسرائيلية لزيادة صادرات الغاز إلى مصر بنسبة 25%، ومطالبات بإعادة التفاوض حول الأسعار، مستغلة الفجوة الكبيرة بين سعر الغاز الإسرائيلي (أقل من 6 دولارات للمليون وحدة حرارية) وسعر الغاز المسال العالمي الذي يتجاوز 13 دولارًا.

مصادر في تل أبيب تحدثت عن نية واضحة لدى الشركاء الإسرائيليين لرفع الأسعار تدريجيًا، وتحويل ملف الطاقة إلى ورقة ابتزاز اقتصادي وسياسي في ظل تعطّش القاهرة لأي إمدادات مستقرة.

 ضغوط الداخل.. وانقطاعات الصيف تهدد الاستقرار

الواقع الداخلي في مصر لا يقل توترًا. فقد سجل إنتاج الغاز الطبيعي في فبراير أدنى مستوى منذ 9 سنوات، ما دفع القاهرة للتحول مجددًا إلى مستورد صافٍ للغاز، متخلية عن حلم أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.

في المقابل، بدأت الحكومة مفاوضات مكثفة لاستيراد ما بين 40 إلى 60 شحنة غاز مسال بقيمة قد تصل إلى 3 مليارات دولار، وفق مصادر مطلعة، في محاولة لتجنب انقطاعات كهرباء شاملة خلال الصيف.

كما وصلت وحدة “إنرغوس باور” العائمة من ألمانيا، ضمن خطة لاستئجار 4 وحدات إعادة تغييز، لم يصل منها سوى اثنتين حتى الآن، ما يُضيف إلى التحديات اللوجستية والمالية التي تواجه وزارة البترول.

 ما بين الاعتماد والإرتهان: الغاز الإسرائيلي في قلب المعادلة

تشير التقديرات إلى أن الغاز الإسرائيلي يشكل بين 40% إلى 60% من واردات مصر من الغاز، و20% من الاستهلاك المحلي، ما يجعل أي توتر سياسي أو خلل فني في خطوط الإمداد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الطاقوي في البلاد.

كما أن تعثّر مشروع “نيتسانا” لا يعني فقط خسارة سعة إضافية، بل يؤجل تنفيذ خطط التوسع في التسييل والتصدير، ويضعف قدرة مصر التفاوضية في الأسواق الدولية، وسط منافسة شديدة على الغاز من أوروبا وآسيا.

 سيناريوهات بديلة… لكنها محدودة ومكلفة

في مواجهة هذا الواقع، تدرس القاهرة عدة خيارات:

• العودة إلى الشحنات الفورية رغم التكلفة المرتفعة.

• تفعيل الربط مع ليبيا والجزائر عبر صفقات جديدة.

• التحرك نحو قطر وأرامكو السعودية لتأمين إمدادات طارئة.

• رفع الإنتاج المحلي من خلال تحفيز التنقيب والاستكشاف.

لكن أيًا من هذه الخيارات لا يُنتظر أن يُثمر في الأجل القصير، ما يجعل صيف 2025 اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على المناورة في ملف الطاقة وسط أزمة اقتصادية مستمرة.

من “شريك طاقي” إلى أداة ضغط سياسي

تأجيل تشغيل خط “نيتسانا” يمثل تحولًا جذريًا في طبيعة العلاقة الطاقية بين القاهرة وتل أبيب، من شراكة قائمة على المصالح المتبادلة، إلى مسار محفوف بالابتزاز السياسي والتعقيد الاقتصادي.

وفي غياب بدائل حقيقية فورية، تجد مصر نفسها اليوم في موقع هشّ، بين تصاعد الطلب الداخلي، وضغوط خارجية، وشح في النقد الأجنبي، ما يُعيد طرح سؤال قديم جديد:
هل أصبح الغاز الإسرائيلي سلاحًا ناعماً بيد الاحتلال؟